مقالات جديدة
توجيه قول ابن تيمية في صفات الله تعالى
  تعليم الاسلام
  October 21, 2017
  0

قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح رداً على من طعن في ابن تيمية وابن القيم، وأنهما من أهل التجسيم والتشبيه:

 

قال صاحب المدخل: وعليك أن تتسرول قاعدا وتتعمم قائما، وفي شرح الشمائل لابن حجر، قال ابن القيم، عن شيخه ابن تيمية: أنه ذكر شيئا بديعا، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى ربه واضعا يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة، قال العراقي: لم نجد لذلك أصلا يعني من السنة، وقال ابن حجر:، بل هذا من قبيل رأيهما وضلالهما، إذ هو مبني على ما ذهبا إليه وأطالا في الاستدلال له، والحط على أهل السنة في نفيهم له، وهو إثبات الجهة والجسمية لله تعالى، ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما تصم عنه الآذان، ويقضى عليه بالزور والبهتان، قبحهما الله وقبح من قال بقولهما، والإمام أحمد وأجلاء مذهبه مبرءون عن هذه الوصمة القبيحة، كيف وهي كفر عند كثيرين.

 

أقول: صانهما الله عن هذه السمة الشنيعة والنسبة الفظيعة، ومن طالع شرح منازل السائرين لنديم الباري الشيخ عبد الله الأنصاري الحنبلي - قدس الله تعالى سره الجلي - وهو شيخ الإسلام عند الصوفية حال الإطلاق بالاتفاق، تبين له أنهما كانا من أهل السنة والجماعة، بل ومن أولياء هذه الأمة، ومما ذكر في الشرح المذكور ما نصه على وفق المسطور هو قوله على بعض صباة المنازل، وهذا الكلام من شيخ الإسلام يبين مرتبته من السنة، ومقداره في العلم، وأنه بريء مما رماه أعداؤه الجهمية من التشبيه والتمثيل على عاداتهم في رمي أهل الحديث والسنة بذلك، كرمي الرافضة لهم بأنهم نواصب، والنواصب بأنهم روافض، والمعتزلة بأنهم نوائب حشوية، وذلك ميراث من أعداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رميه ورمي أصحابه، بأنهم صراة قد ابتدعوا دينا محدثا، وهذا ميراث لأهل الحديث والميمنة من نبيهم بتلقيب أهل الباطل لهم بالألقاب المذمومة، وقدس الله روح الشافعي حيث يقول، وقد نسب إليه الرفض:

 

إن كان رفضا حب آل محمد ... فليشهد الثقلان أني رافضي

 

ورضي الله عن شيخنا أبي عبد الله بن تيمية حيث يقول:

إن كان نصبا حب صحب محمد ... فليشهد الثقلان أني ناصبي

 

وعفا الله عن الثالث حيث يقول:
فإن كان تجسيما ثبوت صفاته ... وتنزيهها عن كل تأويل مفتر
فإني بحمد الله ربي مجسم ... هلموا شهودا واملئوا كل محضر

 


ثم بين في الشرح المذكور ما يدل على براءته من التشنيع المسطور، والتقبيح المزبور، وهو ما نصه: إن حفظه حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها، وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أفهام العامة، ولا نعني بالعامة الجهال، بل عامة الأمة، كما قال مالك رحمه الله، وقد سئل عن قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى} [طه: ۵] 

 

كيف استوى؟ ، فأطرق مالك رأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال:

الاستواء معلوم، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

 

فرق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة، وبين الكيف الذي لا يعقله البشر، وهذا الجواب من مالك - رحمه الله - شاف عام في جميع مسائل الصفات من السمع والبصر والعلم والحياة والقدرة والإرادة والنزول والغضب والرحمة والضحك، فمعانيها كلها معلومة، وأما كيفيتها فغير معقولة، إذ تعقل الكيف فرع العلم بكيفية الذات وكنهها، فإذا كان ذلك غير معلوم، فكيف يعقل لهم كيفية الصفات؟ والعصمة النافعة من هذا الباب أن يصف الله - بما وصف به نفسه: ووصف به رسوله من غير تحرير ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يثبت له الأسماء والصفات، وينفي عنه مشابهة المخلوقات، فيكون إثباتك منزها عن التشبيه، ونفيك منزها عن التعطيل، فمن نفى حقيقة الاستواء فهو معطل، ومن شبهه باستواء المخلوقات على المخلوق فهو مشبه، ومن قال: هو استواء ليس كمثله شيء فهو الموحد المنزه اهـ كلامه.

 

وتبين مرامه، وظهر أن معتقده موافق لأهل الحق من السلف وجمهور الخلف، فالطعن الشنيع والتقبيح الفظيع غير موجه عليه ولا متوجه إليه، فإن كلامه بعينه مطابق لما قاله الإمام الأعظم، والمجتهد الأقدم في فقهه الأكبر ما نصه: " وله تعالى يد ووجه ونفس، فما ذكر الله في القرآن من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف، ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته ; لأن فيه إبطال الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفته بلا كيف، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف اهـ.

 

وحيث انتفى عنه اعتقاد التجسيم، بالمعنى الذي ذكره في الحديث الكريم له وجه وجيه ظاهر، وتوجيه لأهل - التنبيه باهر، سواء رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه في المنام، أو تجلى الله - سبحانه - عليه بالتجلي الصوري المعروف عند أرباب الحال والمقام، وهو أن يكون مذكرا بهيئته، ومفكرا برؤيته الحاصلة من كمال تجليته، والله أعلم بأحوال أنبيائه أو أصفيائه الذين رباهم بحسن تربيته، وجلى مرائي قلوبهم بحسن تجليته، حتى شهدوا مقام الحضور والبقاء، وتخلصوا عن صداء الحظور والفناء، رزقنا الله أشواقهم، وأذاقنا أحوالهم وأخلاقهم، وأحيانا على طريقتهم، وأماتنا على محبتهم، وحشرنا في زمرتهم. (مرقاة المصابیح شرح مشکاة المصابیح، کتاب اللباس، فصل الثاني)

 

 

كلام الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي رحمه الله في شيخ الإسلام ابن تيمية :

ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعة من العلماء مراراً ، بسبب أشياء أنكروها عليه من الأصول والفروع ، وعقدت له بسبب ذلك عدة مجالس بالقاهرة ، وبدمشق ، ولا يحفظ عن أحد منهم أنه أفتى بزندقته ، ولا حكم بسفك دمه مع شدة المتعصبين عليه حينئذ من أهل الدولة ، حتى حبس بالقاهرة ، ثم بالإسكندرية ، ومع ذلك فكلهم معترف بسعة علمه ، وكثرة ورعه ، وزهده ، ووصفه بالسخاء ، والشجاعة ، وغير ذلك من قيامه في نصر الإسلام ، والدعوة إلى الله تعالى في السر والعلانية ، فكيف لا يُنكر على مَن أطلق " أنه كافر " ، بل من أطلق على من سماه شيخ الإسلام : الكفر ، وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك ؛ فإنه شيخ في الإسلام بلا ريب ، والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولها بالتشهي ، ولا يصر على القول بها بعد قيام الدليل عليه عناداً ، وهذه تصانيفه طافحة بالرد على من يقول بالتجسيم ، والتبري منه ، ومع ذلك فهو بشر يخطئ ويصيب ، فالذي أصاب فيه - وهو الأكثر - يستفاد منه ، ويترحم عليه بسببه ، والذي أخطأ فيه لا يقلد فيه ، بل هو معذور ؛ لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدوات الاجتهاد اجتمعت فيه ، حتى كان أشد المتعصبين عليه ، والقائمين في إيصال الشر إليه ، وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني ، يشهد له بذلك ، وكذلك الشيخ صدر الدين بن الوكيل ، الذي لم يثبت لمناظرته غيره . 

 

ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم الناس قياماً على أهل البدع من الروافض ، والحلولية ، والاتحادية ، وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة ، وفتاويه فيهم لا تدخل تحت الحصر ، فيا قرة أعينهم إذا سمعوا بكفره ، ويا سرورهم إذا رأوا من يكفر من لا يكفره ، فالواجب على من تلبّس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشتهرة ، أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل ، فيفرد من ذلك ما يُنكر ، فيحذِّر منه على قصد النصح ، ويثني عليه بفضائله فيما أصاب من ذلك ، كدأب غيره من العلماء ، ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف : لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته ، فكيف وقد شهد له بالتقدم في العلوم ، والتميز في المنطوق والمفهوم أئمة عصره من الشافعية وغيرهم ، فضلاً عن الحنابلة ، فالذي يطلق عليه مع هذه الأشياء الكفر ، أو على من سمَّاه " شيخ الإسلام " : لا يلتفت إليه ، ولا يعوَّل في هذا المقام عليه ، بل يجب ردعه عن ذلك إلى أن يراجع الحق ، ويذعن للصواب ، والله يقول الحق ، وهو يهدي السبيل ، وحسبنا الله ، ونعم الوكيل . 


صفة خطه أدام الله بقاءه.
قاله ، وكتبه : أحمد بن علي بن محمد بن حجر الشافعي ، عفا الله عنه ، وذلك في يوم الجمعة التاسع من شهر ربيع الأول ، عام خمسة وثلاثين وثمانمائة ، حامداً لله ، ومصليّاً على رسوله محمد ، وآله ومسلماً .


" الرد الوافر " للإمام ابن ناصر الدين الدمشقي ( ص 145 ، 146 ) ،

 

وثناء علیه العيني رحمه الله تعالى  في كتابه " عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان "  وکذا العلامة ابن عابدين رحمه الله تعالى في حاشيته الشهيرة " رد المحتار على الدر المختار " ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى في عدة مواضع واصفا إياه بالحافظ ، وفي أحدها بشيخ الإسلام على شيخ الإسلام ابن تيمية،