موقع تعليم الاسلام
قال الشيخ رحمه الله تعالى وثاني القوم عُمَر الفاروق ذو المقام الثابت المأنوق أعلن الله تعالى به دعوة الصادق المصدوق وفرق به بين الفصل والهزل وأيد بما قواه به من لوامع الطول ومهد له من منائح الفضل شواهد التوحيد وبدد به مواد التنديد فظهرت الدعوة ورسخت الكلمة فجمع الله تعالى بما منحه من الصولة ما نشأت لهم من الدولة فعلت بالتوحيد أصواتهم بعد تخافت وتثبتوا في أحوالهم بعد تهافت غلب كيد المشركين بما ألزم قلبه من حق اليقين لا يلتفت إلى كثرتهم وتواطيهم ولا يكترث لممانعتهم وتعاطيهم اتكالا على من هو منشئهم وكافيهم واستنصارا بمن هو قاصمهم وشافيهم محتملا لما احتمل الرسول ومصطبرا على المكاره لما يؤمل من الوصول ومفارقا لمن اختار التنعم والترفيه ومعانقا لما كلف من التشمر والتوجيه المخصوص من بين الصحابة بالمعارضة للمبطلين والموافقة في الأحكام لرب العالمين السكينة تنطق على لسانه والحق يجري الحكمة عن بيانه كان للحق مائلا وبالحق صائلا وللأثقال حاملا ولم يخف دون الله طائلا وقد قيل إن التصوف ركوب الصعب في جلال الكرب.
عن البراء قال لما كان يوم أحد جاء أبو سفيان بن حرب فقال أفيكم محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه ثم قال أفيكم محمد فلم يجيبوه ثم قال الثالثة أفيكم محمد فلم يجيبوه ثم قال أفيكم ابن أبي قحافة فلم يجيبوه قالها ثلاثا ثم قال أفيكم عُمَر بن الخطاب قالها ثلاثا فلم يجيبوه فقال أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عُمَر نفسه فقال كذبت يا عدو الله ها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وأنا أحياء ولك منا يوم سوء فقال يوم بيوم بدر والحرب سجال وقال أعل هبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجيبوه قالوا يا رسول الله وما نقول قال قولوا الله أعلا وأجل قال لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجيبوه قالوا يا رسول الله وما نقول قال قولوا الله مولانا ولا مولى لكم.
قال الشيخ رحمه الله كان رضي الله تعالى عنه للدين معلنا ولأعمال البر مبطنا وقد قيل إن التصوف الوصول بما علن إلى ظهور ما بطن.
قال عُمَر بن الخطاب كان أول إسلامي أن ضرب أختي المخاض فاخرجت من البيت فدخلت في أستار الكعبة في ليلة قارة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل الحجر وعليه نعلاه فصلى ما شاء الله ثم انصرف قال فسمعت شيئا لم أسمع مثله قال فخرجت فاتبعته فقال من هذا قلت عُمَر قال يا عُمَر ما تتركني ليلا ولا نهارا فخشيت أن يدعو علي فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله قال فقال يا عُمَر استره قال فقلت والذي بعثك بالحق لأعلننه كما أعلنت الشرك.
تسميته بالفاروق
عن ابن عباس قال سألت عُمَر رضي الله تعالى عنه لأي شيء سميت الفاروق قال أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام ثم شرح الله صدري للاسلام فقلت الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت أين رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أختي هو في دار الأرقم بن الأرقم عند الصفا فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة مالكم قالوا عُمَر قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره نثرة فما تمالك أن وقع على ركبته فقال ما أنت بمنته يا عُمَر قال فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد قال فقلت يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا قال بلى والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم قال فقلت ففيم الاختفاء والذي بعثك بالحق لتخرجن فأخرجناه في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد قال فنظرت إلى قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق وفرق الله به بين الحق والباطل.
حَدَّثَنا أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده قال قال لنا عُمَر رضي الله تعالى عنه أتحبون أن أعلمكم أول إسلامي قلنا نعم قال كنت من أشد الناس عداوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دار عند الصفا فجلست بين يديه فأخذ بمجمع قميصي ثم قال أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده قال فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله قال فكبر المسلمون تكبيرة سمعت في طرق مكة قال وقد كانوا مستخفين وكان الرجل إذا أسلم تعلق الرجال به فيضربونه ويضربهم فجئت إلى خالي فأعلمته فدخل البيت وأجاف الباب قال وذهبت إلى رجل من كبار قريش فأعلمته ودخل البيت فقلت في نفسي ما هذا بشيء الناس يضربون وأنا لا يضربني أحد فقال رجل أتحب أن يعلم بإسلامك قلت نعم قال إذا جلس الناس في الحجر فائت فلانا وقل له صبوت فإنه قل ما يكتم سرا فجئته فقلت تعلم أني قد صبوت فنادى بأعلى صوته إن ابن الخطاب قد صبأ فما زالوا يضربوني وأضربهم فقال خالي يا قوم إني قد أجرت ابن أختي فلا يمسه أحد فانكشفوا عني فكنت لا أشاء أن أرى أحدا من المسلمين يضرب إلا رأيته فقلت الناس يضربون ولا أضرب فلما جلس الناس في الحجر أتيت خالي قال قلت تسمع قال ما أسمع قلت جوارك رد عليك قال لا تفعل قال فأبيت قال فما شئت قال فما زلت أضرب وأضرب حتى أظهر الله تعالى الإسلام
قال الشيخ رحمه الله كان رضي الله تعالى عنه مخصصا بالسكينة في الانطاق ومحرزا من القطيعة والفراق ومشهرا في الأحكام بالإصابة والوفاق وقد قيل إن التصوف الموافقة للحق والمفارقة للخلق حَدَّثَنا محمد بن أحمد بن مخلد حَدَّثَنا محمد بن يونس الكديمي حَدَّثَنا عثمان بن عُمَر حَدَّثَنا شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كنا نتحدث أن ملكا ينطق على لسان عُمَر رضي الله تعالى عنه.
عن أبي جحيفة قال قال علي كرم الله وجهه ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عُمَر رضي الله تعالى عنه.
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى عز وجل جعل الحق على لسان عُمَر وقلبه.
عن ابن عُمَر عن عُمَر رضي الله تعالى عنهما قال وافقت ربي عز وجل في ثلاث في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر. رواه حميد وعلي بن زيد والزهري عن أنس مثله.
حدثني ابن عباس قال حدثني عُمَر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال لما كان يوم بدر فهزم الله المشركين فقتل منهم سبعون وأسر منهم سبعون استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعُمَر وعليا رضوان الله عليهم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب
قال فقلت أرى أن تمكنني من فلان قريب لعُمَر فأضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان فيضرب عنقه حتى يعلم الله عز وجل أنه ليس في قلوبنا هوادة للمشركين هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم فلم يهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلت فأخذ منهم الفداء قال عُمَر فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر وإذا هما يبكيان فقلت يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما قال النبي صلى الله عليه وسلم الذي عرض على أصحابك من الفداء لقد عرض على عذابكم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة فأنزل الله تعالى ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله تعالى لمسكم فيما أخذتم من الفداء عذاب عظيم.....
الاستخلاف
عن ابن عُمَر قال دخلت على أبي فقلت إني سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك زعموا أنك غير مستخلف وأنه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثم جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيع فرعاية الناس أشد فوضع رأسه ساعة ثم رفعه فقال إن الله عز وجل يحفظ دينه وإني لا أستخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وإن استخلف فإن أبا بكر قد استخلف فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وأنه غير مستخلف.
حَدَّثَنا أبو سلمة بن عبيدالله بن عَبْد الله بن عُمَر عن أبيه عن جده قال لبس عُمَر رضي الله تعالى عنه قميصا جديدا ثم دعاني بشفرة فقال مد يا بني كم قميصي والزق يديك بأطراف أصابعي ثم اقطع ما فضل عنها فقطعت من الكمين من جانبيه جميعا فصار فم الكم بعضه فوق بعض فقلت له يا أبته لو سويته بالمقص فقال دعه يا بني هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فما زال عليه حتى تقطع وكان ربما رأيت الخيوط تساقط على قدمه.
هذا عُمَر رجل لا يحب الباطل
عن عَبد الرحمن بن أبي بكرة عن الأسود بن سريع قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت قد حمدت ربي بمحامد ومدح وإياك فقال إن ربك عز وجل يحب الحمد فجعلت أنشده فاستأذن رجل طويل أصلع فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسكت فدخل فتكلم ساعة ثم خرج فأنشدته ثم جاء فسكتني النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم ثم خرج ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فقلت يا رسول الله من هذا الذي أسكتني له فقال هذا عُمَر رجل لا يحب الباطل.
قال الشيخ رحمه الله تعالى فالاستدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم منه رخصة وإباحة لاستماع المحامد والمدائح فقد كان نشيده والحَدَّثَناء على ربه عز وجل والمدح لنبيه صلى الله عليه وسلم وإخباره عليه الصلاة والسلام أن عُمَر رضي الله تعالى عنه لا يحب الباطل أي من اتخذ التمدح حرفة واكتسابا فيحمله الطمع في الممدوحين على أن يهيم في الأودية ويشين بفريته المحافل والأندية فيمدح من لا يستحقه ويضع من شأن من لا يستوجبه إذا حرمه نائله فيكون رافعا لمن وضعه الله عز وجل لطمعه أو واضعا لمن رفعه الله عز وجل لغضبه فهذا الاكتساب والاحتراف باطل فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا يحب الباطل فأما الشعر المحكم الموزون فهو من الحكم الحسن المخزون يخص الله تعالى به البارع في العلم ذا الفنون وقد كان أبو بكر وعُمَر وعلي رضي الله تعالى عنهم يشعرون.
عن الأسود بن سريع قال كنت أنشده يعني النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعرف أصحابه حتى جاء رجل بعيد ما بين المناكب أصلع فقيل أسكت أسكت قلت واثكلاه من هذا الذي أسكت له عند النبي صلى الله عليه وسلم فقيل عُمَر بن الخطاب فعرفت والله بعد انه كان يهون عليه لو سمعني أن لا يكلمني حتى يأخذ برجلي فيسحبني إلى البقيع
قال الشيخ رحمه الله تعالى فكذا سبيل الأبرياء من الشرك والعناد الأصفياء بالمعرفة والوداد أن لا يلهيهم باطل من الفعال والمقال وأن لا يثنيهم في توجههم إلى الحق حال من الأحوال وأن يكونوا مع الحق على أكمل حال وأنعم بال كان رضي الله تعالى عنه يلتمس بالذلة لمولاه القوة والتعزز ويترك في إقامة طاعته الرفاهية والتقزز وقد قيل إن التصوف النبو عن رتب الدنيا والسمو إل المرتبة العليا.
خلوا سبيل جملي
عن طارق بن شهاب قال لما قدم عُمَر رضي الله تعالى عنه الشام عرضت له مخاضة فنزل عن بعيره ونزع خفيه فأمسكهما وخاض الماء ومعه بعيره فقال أبو عبيدة لقد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض فصك في صدره وقال اوه لو غيرك يقول هذا يا أبا عبيدة إنكم كنتم أذل الناس فأعزكم الله برسوله فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله.
عن قيس قال لما قدم عُمَر رضي الله تعالى عنه الشام استقبله الناس وهو على بعيره فقالوا يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا تلقاك عظماء الناس ووجوههم فقال عُمَر لا أراكم ههنا إنما الأمر من ههنا وأشار بيده إلى السماء خلوا سبيل جملي.
حَدَّثَنا يحيى بن عَبْد الله حَدَّثَنا الأوزاعي أن عُمَر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرج في سواد الليل فرآه طلحة فذهب عُمَر فدخل بيتا ثم دخل بيتا آخر فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة فقال لها ما بال هذا الرجل يأتيك قالت إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى فقال طلحة ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عُمَر تتبع.
المرجع: حلية الاولياء وطبقات الاصفياء