بسم الله الرحمن الرحيم
الی التزکیة یا عبادالله!
محاضرة تربوية لفضيلة الشيخ العلامة المفتي محمد تقي العثماني حفظه الله تعالى
المترجم: كليم الله متخصص في قسم الإفتاء
مصطلحات بسیطة:
التصوف عَلَم لعِلْم ،وما یلقن فیه یسمى طریقا ً،واختیاره سلوکا ً،والذی یختاره سالکا ،هذه معانی بسیطة جنت علیها الکلمات فحولتها من معالم الوضوح إلى عوالم الخفاء حتى أصبحت(التصوف) لدى البعض کلمة مبشعة تنکرهها القلوب وتملها الأسماع وتستوحشها العقول .وقد أصبح الناس فی هذا العلم رغم أنه هو التزکیة نفسها ۔من بین مبغض قالٍ ومحب غالٍ،أفرط فیها الجَهَلَة الصوفیاء إفراطا أدّى إلى اختراع وابتداع، واعتبار الوسائل مقاصد، والتفرقة بینه وبین الشریعة وما إلى ذلک ،بجانب ما فرط فیه البعض فشنوا علیه الغارة بمجرد النظر إلی هذه المحدثات من دون امعان النظر فی کنهه وغایته ومرامه.
فی هذاالمجلس نودّ أن نُمیط اللِّثام عن هذه الحقیقة السافرة التی کانت وما زالت جزء أساسیّامن أهمّ أجزاء الشریعة الاسلامیّة ،ومراما منیفا من أهمّ مقاصد البعثة المحمّدیّة على صاحبها التحیّة والسّلام.
غرضه:
کل ما یُبذَل فی هذاالمجال من جهود ومحاولات ،وما یؤدی فیه من أوراد وأشغال ،إنما یستهدف غرضا سامیا هو أنبل غرض استهدفه البشر ،ألا وهو الحصول على مرضاة الله عزّ وعلا .ولیس حقیقته إلا أن یقوم المرء بأداء الأعمال۔ الظاهرة منها والباطنة حسب ما یشاء الله ویرضاه .فالظاهرة ما یمارسها الجسدکالصلاة والصوم والحج.والباطنه مایقوم بها القلب من الصبر والتواضع والشکر،وعکسها من التجبر والاستکبار والکفران وما إلى ذلک.وبما أن القلب یحتل الصدارة من بین سائر الأعضاء ،لذا فلأعماله دور بارز وأثر قويّ فی إصلاح الأعمال الظاهرة، فبالإخلاص تُقبَل الأعمال ،وبالخشوع تحسن الصلوات، وبالصبر تحلو الحیاة وما إلى ذلک .ولکن من جانب أخر فالعثور على ما فیه من السلبیات صعب جدا حیث أن ما تمر به من خواطر الذنوب وتترسخ فیه من دسائس النفوس لایمکن للمرء أن یعثرعلیها أویهتدی إلیها إلا بإرشاد من مرشد محنک وصالح ، هاک الاستکبار مثلا فربّما یُبتَلَی به المرء من دون أن یشعر أنه یرتقف کبیرة هی من أعظم الکبائر یحرم صاحبَها الجنّةَ حسب نص الحدیث الصّحیح . وما یحدث فی عالم القلب من الایجابیّات یُسمَّى ''فضائل'' والسّلبیّات یُسمَّى ''رذائل'' .فالعلم الذی یتحدّث عن الفضائل ویرشد إلى حصولها، وعن الرّذائل ویدلّ على طرق تحذیرها یُسمَّى تزکیة أو إحسانا أو تصوّفا. وهو الّذی أفرده الله بالبیان فی صدد بیان مقاصد البعثة المحمدیّة على صاحبها الصلاة والسلام قائلا :(ویزکّیهم ) وهذا یدلّ على أنهّا غیر العلم وأنها مطلوب شرعيّ مثل التعلیم والتلاوة.
من أین نبدأ ؟
الشعور بالحاجة إلى إصلاح النفس ثم الالمام به أوّل خطوة یخطوها من یرید تزکیة النفس وإصلاح الأعمال، فإنّ اقتناع المرء بما علیه من الأعمال والروتینیات عرقلة کبیرة فی سبیل التزکیة. هذا والقرآن یأمرنا أن نهتمّ أوّلاً بشؤن أنفسنا خاصّة (یاأیها الذین أمنوا علیکم أنفسکم ) وهی الطریق التی سلکها النبی صلی الله علیه وسلم فی تربیة الصّحابة ،حیث أحدث فیهم أوّلاً العنایة بشؤن النفس والمحاسبة المحایدة لأعمالها ،وأخیرا فلقد انتجع هذا الأسلوب وأنتج نتائج حسنة لغایة ما قد أدهشت العقول وحیرت النفوس.وهذا من الطبیعيّ أن من شعر بمرضه یتردّد إلى الطبیب و یمتثله فيما یأمره به حتى یأتی علیه یوم ولامرض به ولا سقم ،أما من لم یول مرضه عنایة ولا تفکیرا فلا تزال تتأصّل فیه جذورُ المرض فیعیش مریضا ویموت مریضا، ولإحداث هذه الفکرة نسخةٌ، وصفهاالنبی صلی الله علیه وسلم لمرضی القلوب قائلا :(أکثروا ذکر هاذم اللّذات الموت) ویا لهامن نسخة صائبة ناجحة ولکنّها للأسف ۔ فاتتنا الیوم تماما ،فما أسرع ما ننسی أونغفل ! ندفن موتانا فسرعان ما ننسی أن مصیرنا المصیر نفسه وطریقنا الطریق نفسها !
ثانیا :
بعد الالمام بالاصلاح لا بد أن نُحدث التّوبةَ ونکملها .وحقیقتها کما تعلمون النَّدَم على المعاصی، والتَّخلِّی عنها حالا والعزم على عدم العود إلیها مآلا.والتّوبة إذا کانت نَصوحا تعدم جبال المعاصی کیفما کانت وتجعل صاحبها کأنّه لم یقترفها قط حسب نص الحدیث :( التائب من الذنب کمن لا ذنب له ).وفی ضوء هذا الحدیث یقول الشیخ التهانوی رحمه الله :التوبة شیء بسیط، ولکن قصفها تنسف جبال المعاصی الجسام نسفا !
وتکمیلها بتدارک ما فرط فی حقوق الله
۔ کالصلاة والصوم ۔
وما ضیع من حقوق العباد.
وبالتوبة قد صفاک الله من المعاصی السابقة تماما،فإیاک أن یشغلک التفکیر فیها من المضی قدما فی مجال الإصلاح،وایاک أن یأخذها الشیطان وسیلة لقنوطک من رحمة الله لیشکلها حجابا بینک وبین الله! وکان الشیخ مسیح الله یقول :خل الماضی وما فیه مضى، دع المستقبل ومافیه یحدث ،ورکز نظرک على إصلاح ''حالک ''التی کان مستقبلک بالأمس ویکون ماضیک غدا .
بعدین أقبل على الإصلاح ،هنا سوف تجد الصراع محتدما بینک وبین نفسک وهواها، ولکن ایاک أن تصرع ! ولاسمح الله لو ذهبت بک هواک إلى المعصیة فهنالک الصراع أشد وأحدم !نفسک تصور لک القنوط والیأس،وتخیل لک أن سلوکک على طریق الإصلاح وبقائک على التوبة شبه مستحیل لو لم یکنه .ولکن حذار حذار ! فأبواب مغفرة ربک مفتوحة دوما ! ینتظرک متى تتوب وتعود،لذا فاذا غویت بک نفسک استغفره لذنبک ثانیاوثالثا و..و.فإنه (ما أصر من استغفر ولو عاد سبعین مرة وتأکد أن المواظبة على تحدیث التوبة سوف تجعل فی أیام قلائل الثبات یستقبلک بحفاوة ، فقد قال الله تعالى: (والذین جاهدوا فینا لنهدینهم سبلنا).
أمور تعینک على الاصلاح :
(١) المواظبة على الذکر : فإنه طاقة روحیة تشحن بها بطاریة قلبک فتقودک إلى الإمام فی مجال الإصلاح لذا فاختر لنفسک وردا تعض علیه بالنواجذ مواظبا ومداوما، فما قل ودام خیر مما کثر یوما وانعدم أخر .وفی المرحلة البدائیة ألقنک أن تواظب على الکلمات الأربعة التالیة:
الاستغفار (مائة مرة)
الصلاة على النبی صلى اللله علیه وسلم (أیضا)
سبحا ن الله والحمد لله ولااله الا الله والله أکبر (أیضا)
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظیم (أیضا)
لاحظ أن المواظبة على
هذه الأذکار البسیطة سوف تمکنها لتلعب دورا فی إصلاح قلبک وتحلیةنفسک ، فواظب حتى ولو فاجأک یوما أمر، أو شغلک شغل، أو داهمک خطب ،أو واجهتک أزمة فالأفضل من أن تترکها تماما أن تتنازل فیها عددا إلى ٣٣ أو ١١ مرة ولکن إیاک أن تفوتک رأسا فإنه یکاد یثقب فی قلبک فیوصله إلى ذروة الصلاح و التقى ،کما أن قطرة من الماء تتمکن من الثقب فی الصخرة إذا هی توالت واستمر سقوطها ، بینما شلال فائض یمر على الصخرة دفعة من دون أن یترک فیهاکبیر أثر وهذا فإن من سنة الله أن ما دام وتوالی أثّر وأثمر ولو قلّ.
(٢) مجالسه أهل الله: فإنه لیس شیء أعون على الإصلاح من حضور مجالسهم وسماع خطبهم ومواعظهم،فمن البدهی أن للصحبة أثرا ملموسا فی تکوین الشخصیة حسب :(فالمرء على دین خلیله) فجالس الحسن أو ابن سیرین یفیدونک دینا وخلقا.و فرضا لولم تکن عندک فرصة أو لم تجد من تتردد إلیه فبإمکانک أن تحضر مجالسهم من خلال عالم الکتب ،تقرأ أخبارهم وأحوالهم وتراجمهم وقصص حیاتهم ،سوف تجد فیها نورا یعینک على الإصلاح ویسهل لک السلوک على طریق التزکیة .وانطلاقامن هذا المبدأ نرى القرآن الکریم یسرد غیر مرة قصص الأنبیا ء.
----------------
المرجع: www.muftitaqiusmani.com